الزغرودة
هي حالة فرح صافية ونوع خاص من الأغنية الشعبية التي تتصاعد من أعماق الناس, وتتناقلها الأفواه جيلاً بعد جيل بلهجات بسيطة تخترق الوجدان الجمعي دون أن تنسب إلى قائل معين أو زمن محدد. وهي تخضع دوماً من خلال التحولات الاجتماعية إلى تغير في مضامينها وألحانها وأشكالها.
وأما زمن الزغرودة فهو قديم ومجهول, وقد حملته إلينا الفرحة من عرس إلى عرس على متن ذواكر حافظة وألسن لافظة لسيدات كان أغلبهن فيما مضى أمياً. حتى وصل إلينا في قرننا الحادي والعشرين.
ولهذا فإن مخزوننا من الزغاريد يعتمد على الرواية الشفوية التي ورثها كل جيل إلى خلفه, فمن الجدة إلى الأم, ومنها إلى البنت... حتى وصل إلينا منهكاً في جزء منه, أو مبتوراً, أو غير مفهوم المفردات التي تحرفت بانتقالها من فم إلى آخر.
أهمية الزغرودة:
إن كل من يقرأ الزغرودة أو يستمع إليها لا يمكن إلا أن يعود خطفاً لا يعرفه, ترسمه له الكلمات بمعانيها, وتهدهد له فيه أنغام بسيطة تعبق بالفرح والحركة. وإن كل زغرودة تحمل إلينا أقصوصة هي أمثولة, فيها نصائح هي خلاصة تجارب السلف الحياتية, وأعرافه وعاداته الاجتماعية, وما يجب علينا أن يكون عليه أو يتحلى به كل شاب وشابة إبان قرار الشروع ببناء حياة مشتركة صالحة.
كما أن الزغرودة تحوي حصاداً متنوعاً من تاريخ السلف وحياته الاجتماعية. والاقتصادية, والسياسية, وهي تنطلق عفواً بما قد تكون سكتتْ عنه المصادر المدونة. وإن دراستها دراسة تاريخية واجتماعية ولغوية قد تفيد كثيراً في تجلية صور السلف, وخاصة وأنها تتمتع بميزة تمنحها الكثير من الثراء والتفرد إذ ما قيست بالمأثورات الشعبية الأخرى, ذلك أنها صورة ناطقة بألفاظ السلف ولهجته المحكية كما أنها تحمل إلينا إيقاعه الحياتي.
وأخيراً, إن الزغرودة هي وثيقة حياة, وشعلة تنتقل من جيل إلى جيل, مكانها هو الفرح أنىّ وجد, وهي دائماً تتحرك, وتتحدث, وتغنى, وتعبر عن ذاتها بذاتها, ولا تحتاج إلى من ينصت إليها.
وقد حملت الزغرودة في رحلتها إلينا أسماء شتى من كل بلد تمر بهّ, أو منطقة تسكن فيها فهي مع بعض الخصوصية والتحفظ: الزغرودة, والزلغوطة, والمهاهات, والهنهونة, وتبقى الزغرودة هي سيدة الساحة دون منازع, فلا عرس دون عريس وعروس وزغرودة.
الزغرودة وأخواتها:
إن الزغرودة هي ابنة الذاكرة الشعبية في شقها الفرح, وهي تعود زمنياً إلى قرون سلفت, ومكانياً تنتمي إلى مساحة أكبر بكثير من مساحة بلاد الشام.
فهي منتشرة عند نساء الشرق الأدنى من مصر إلى استانبول وما بينهما, وفي شمال افريقية والعراق.
إذا حاولنا البحث في المعاجم عن أصل هذه المسميات التي أطلقت على الزغرودة في رحلتها في مكان وزمان منطقة بلاد الشام, ولنقف على أصولها اللغوية الفصيحة فإننا نجد ما يأتي:
- الزغرودة: وأصل المادة (الزغد), وهي في أصل معناها العصر, وزغد البعير يزغد زغداً : هدر هدراً, وكأنه يعصره أو يقلعه.. ويقال زغد البعير وزغرد وزغدب بمعنى واحد, وهو الهدير يتقلّع من صدره أو حلقه. وكذلك فإن زغردة النساء هي أصوات تقعرها وتعصرها في حناجرها مضغوطة عليها, والظاهر أن العامة قالت في زغرد وزرغد ثم جعلت اللام مكان الرا والطاء مكان الدال.
- الزلغوطة:هي اللهجة المحكية العامية من الكلمة الفصحى الزغرودة, محرفة عنها, وهي ترديد لأصوات الفرح في الحلق واللسان. ومن صورها المحلية الأخرى: ظلغط, وزغلط, وزغرت, وزغرط.
- الهنهونة/الهلهولة: التي يرى صاحب معجم الألفاظ العامية أنها من فعل هنهن العامي وفصيحه هلهل. ونقول في دارجتنا: هلهل فلان فلاناً: لامه في عنف أو زجره في شدة. وهلهل ملابسه: قطعها في غير انتظام فجعل منظرها سخيفاً. والملابس المهلهلة: سخيفة النسيج. وهلهل الصوت: رجّعه.
- والظاهر أن العامة قلبت اللام نونا فأصبحت هنهن بدل هلهل. ومنها اشتقت كلمة هنهونة التي جمعها هناهن. بينما يرى القس شلحت أن الهنهونة لفظة سريانية أصلها "هو نايا" ومعناها "تهنئة" وقد صغرت فأصبحت "هونايونا" أي " تهنئة صغيرة" ويقدم عليها لفظة "إيها" وهي اللفظة نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة, وهي أيضاً مشتقة من السريانية "أها" ومعناها "نعمَّ". ويرى أنه في لبنان يقولون "أيوها" وهي لفظة مركبة من لفظتين سريانيتين أولاها "أيو" ومعناها حبذا "وإها "ومعناها "نعمَّ".
- المهاهات:هي أغنية خفيفة شفاهية تقال في الفرح وغيره رباعية الأشطر, وتبدأ بالأويها وتنتهي بالزغرودة. ولم نوفق في العثور على أصل الكلمة وجذورها اللغوية.
وفي محاولتنا البحث عن معاني ما تبدأ به الزغرودة وما تنتهي به من مقاطع صوتية وجدنا ما يأتي:
- الآويها: مقطع صوتي وردت بعدة أشكال لفظية وكتابية منها:"إيها, وأوها, آوها, أيه ويه, أي, وأويها, وغيرها كثير... ولعل هذا يرجع في بعضه إلى جهل تام بمصدر أو منبع هذه الكلمة معجمياً.
ويرى البعض أنها محرفة عن كلمة (هاهو) ويرجع في تحليلها أنها تعود إلى لقيا آدم عليه السلام بحواء, حيث بادرت عند رؤيتها له بقولها (هاهو) بينما يقول البعض الآخر أن أصلها (قوّوها) أي ارفعوا أصواتكم أكثر.
- وأما في لسان العرب, فيشرح ابن منظور أن (أوَّه, وآّه,وأوْه) كلمة معناها الحزن لفقد الشيء. وأنّ (إيّه): تعني صوّت وأيها بمعنى هيهات, وأنك إذا أردت إغراءه قلت (وَيْها).
ويرى القس شلحت كما بيّنا سابقاً أن لفظة "إيها", وهي مشتقة من السريانية "أها" ومعناها "نعمَّ". ويرى أن في لبنان يقولون "أيواها" وهي لفظة مركبة من لفظتين سريانيتين أولها "أيو" ومعناها "حبذا" و" أها" ومعناها" نعمَّ".
ولعل لفظة (أويها) دمج لكلمتين ومعنيين, يراد بالأول: الحزن لمغادرة العروس منزل أهلها وما سيخلّفه هذا من فقد واشتياق له. ويراد بالثاني: إسكات لهذا الحزن, ودعوة إلى الإغراء بالفرج, وهكذا تكون هذه الكلمة مزيجاً من (أوّه) و(ايّه) معاً.
وأما خاتمة الزغرودة (لي لي لي ليش), فقد وجدت في موسوعة حلب المقارنة شرحاً طريفاً أورده العلامة الأسدي يقول فيه:"سئلنا لم كان صوت الزلاغيط في حلب لي لي ليش؟ أجبت: عندما يدخل العريس ليلة عرسه على دار العرس يزغرد النساء وكأنهن يقلن هذا العريس الحلو لي لي أن وحدي. ثم لما كان هذا المطلب غير محقق يختمن اللالات بتصويت "ليش" أي إن لم يكن لي كل العمر فليكن لي شيء ولو يسير منه".
وأرى أن هذا الشرح منحاز إلى فريق الرجال بقوة, بينما أن المقصود بهاوليش لأ؟). ولم يكون كذلك؟ وأنا أعادله إن أكن متفوقة عليه.
معنى الزغرودة اصطلاحا
هي ترديد جماعي بأصوات نسائية مسبوقة بعبارة (آويها) وملحوقة بعبارة (لي لي لي لي ليش), بأصوات عالية ونغمة واحدة. وليس إطلاق الزغاريد حكراً على امرأة بعينها, بل إن إسهام النساء في إلقاء الزغاريد كان يتوقف على حفظ امرأة لها ورغبتها في إلقائها.
هي لون يغنّي في كل أوقات الفرح, وهو يرافقه في الخطوبة والزفاف, وتدور الزغاريد عادة حول العريس والعروس وعائلتيهما. وهي تكاد تكون موحّدة اللحن حتى لا يفرق بينهما أي إنسان, والفارق هو المعنى, وتؤديها النساء لما فيها من تذوق وإحساس بالفرح ولا سيما القريبات من العريس والعروس كالأم, والأخت, والخالة, والعمة...
إنها لون غنائي شعبي خفيف يحفظ عن طريق المشافهة, وذلك من امرأة لامرأة. وتقوم هذه المرأة المغنية بالتلميح والتصريح في زغاريدها بما تنطوي عليه نفوس الأسرة والعائلة أو العشيرة.
وتكون بعض هذه الأقوال محفوظة في الذاكرة, وبعضها الآخرة يخرج على السجية من المؤدية, وهي جميعاً تدور حول معاني الفرح والفخر والمديح.
وتبقى معاني الزغاريد تقليدية تتضمن حشواً من العادات والأفكار العربية القديمة, فالبنت لها أوصاف معينة حتى تكون صالحة للزواج كالطول, والجمال والتهذيب, والسعة الحسنة. كما أن للشاب العريس صفات لا بد أن تتوفر في كالشجاعة والكريم والأصالة إضافة إلى بعض الدعوات لهما بالخير والبركة والسعادة والإنجاب.
ومهما تبدلت الكلمات التي تعبر فيها هذه المنطقة أو تلك إلا أن المعاني والروح التي وراءها تبقى واحدة, فهي صدى قادم من حياة أجدادنا إلينا على متن مركبة من الصدق والعفوية.
البنية الفنية للزغرودة
إن الزغرودة هي جزء منفرد وأنموذج خاص من الأغنية الشعبية. "وهي كناية عن بيتين من الشعر الشعبي في كل بيت صدر وعجز. ويبدأ فيها كل صدر وعجز بلفظة "آويها". ولهذه الكلمة وظيفة أساسية في وقع الزلغوطة الموسيقي, فهي إضافة إلى ما تشيعه من إيقاع نغمي جميل, تخلص ما يليها من الابتداء بالحرف الساكن, حيث تنضم الـ (ها) فيها إلى الحرف الساكن الذي يليها مباشرة, فتكون معه سببا خفيفا".
وهي لا تنشد على بحر معين, (وإن كان لبحري الرجز والبسيط حضورهما المميز في موسيقاها) فقد يتألف البيت فيها من ستة عشر مقطعاً, أو من ثمانية عشر مقطعاً... الخ. دون توافق في عدد المقاطع الصوتية بين الصدر والعجز.
وأما القافية, فقد تتكرر في صدري الزلغوطة وعجزها, وقد تأتي نادراً متحدة في العجزين فقط. وأحياناً لا يلائم مؤلف الزلغوطة بين حروف القافية, وهذه من عيوبها فلا تأتي متحدة, بل متلائمة في المخرج الصوتي, فتكون من مخرج صوتي واحد, كملاءمة اللام والراء, واللام والنون, والنون والميم..... فيكون الرسم البياني لأنواع قوافي الزلاغيط متدرجة من الأكثر إلى الأقل شيوعاً: وتنتهي الزغرودة بأصوات: لي لي لي ليش.. الناتجة عن ضرب اللسان بالحلق بفعل الهواء القوي الخارج من الرئتين والصادر من قبل عدة نساء إضافة إلى المنشد. ومنشدة هذه الزغاريد تكون غالباً المرأة المتزوجة, فالرجل لا يزغرد, وإنما ينحاز عنها إلى العتابا, والميجانا والقرادي, والمعنّى, وغيرها من الفنون الشعرية الشعبية. وكذلك تتحاشى الزغرودة من لم تتزوج بعد, وذلك من باب والخفر والحرج.
مضمون الزغرودة
لكل عروس قصة, قد تتشابه وقد تختلف, لكن تبقى فيها جميعاً حواء العروس وآدم العريس, ومهما كانت صفات العروس الحقيقية سواء الخلقية أو الخلقية, ومهما كان منبتها متواضعاً وحظها من الجمال ضئيلاً, فإن الزغاريد التي سترشق بها في مراحل زفافها ستجعل منها ملكة ترفل حقيقة أو تزلفاً بكل ما يمكن لأي أنثى أن تحلم وتتمنى أن تكون عليه من جمال وكمال وحسب..
والأمر نفسه ينطبق على آدم ستصوره الزغاريد فهذه المناسبة الأقوى ساعداً, والكرم منبتاً, والأجواء عطاءً, فضلاً عن بهاء طلعته وحسن أخلاقه, وحكمته, وحسن اختياره لعروسه....
وإن أغلب الزغاريد التي تنشد في حفلات الزفاف تكون موجهة إلى العروس بهدف وصفها من الناحيتين: المادية والمعنوية. فمن الوصف المادي تصف الزغرودة العروس عضواً فعضوا: (قامتها, خصرها, شعرها, عينيها, انفها, جيدها, صدرها, بشرتها) أما نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة, الناحية المعنوية فتصف الزغرودة نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة, أخلاق العروس المحمودة, وتربيتها السامية, ورفعة نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة. لكن الوصف في الزغاريد بسيطاً عفوياً مكرر المعاني, لا إبداع فيه, وكله حشد لأوصاف معروفة توافق المثال الأعلى للجمال, والعرائس فيها إناث يتشابهن في كل شيء ولا يختلفن إلا بالاسم فقط, تماماً كحبيبات شعراء العصر الجاهلي.
وكذلك تتجه الزغرودة إلى العريس لتصفه كالعروس بصفات المدح خلقاً وخُلقاً, فإذا هو وسيم, س..., شجاع, لبق, رشيق واثق من نفسه, كريم, رفيع الأصل,, كل ذلك مع عدم التفريق بين عرس اليوم وعرس الأمس والغد".
وهذه المضامين عامة إلى درجة تجعلها تليق بكل عروس وعريس بمجرد استبدال الأسماء, كما تجعلها تليق إلى حدّ بعيد بكل مراحل الزفة لأن الصفات المدحية هي الغالية دوماً.
هي حالة فرح صافية ونوع خاص من الأغنية الشعبية التي تتصاعد من أعماق الناس, وتتناقلها الأفواه جيلاً بعد جيل بلهجات بسيطة تخترق الوجدان الجمعي دون أن تنسب إلى قائل معين أو زمن محدد. وهي تخضع دوماً من خلال التحولات الاجتماعية إلى تغير في مضامينها وألحانها وأشكالها.
وأما زمن الزغرودة فهو قديم ومجهول, وقد حملته إلينا الفرحة من عرس إلى عرس على متن ذواكر حافظة وألسن لافظة لسيدات كان أغلبهن فيما مضى أمياً. حتى وصل إلينا في قرننا الحادي والعشرين.
ولهذا فإن مخزوننا من الزغاريد يعتمد على الرواية الشفوية التي ورثها كل جيل إلى خلفه, فمن الجدة إلى الأم, ومنها إلى البنت... حتى وصل إلينا منهكاً في جزء منه, أو مبتوراً, أو غير مفهوم المفردات التي تحرفت بانتقالها من فم إلى آخر.
أهمية الزغرودة:
إن كل من يقرأ الزغرودة أو يستمع إليها لا يمكن إلا أن يعود خطفاً لا يعرفه, ترسمه له الكلمات بمعانيها, وتهدهد له فيه أنغام بسيطة تعبق بالفرح والحركة. وإن كل زغرودة تحمل إلينا أقصوصة هي أمثولة, فيها نصائح هي خلاصة تجارب السلف الحياتية, وأعرافه وعاداته الاجتماعية, وما يجب علينا أن يكون عليه أو يتحلى به كل شاب وشابة إبان قرار الشروع ببناء حياة مشتركة صالحة.
كما أن الزغرودة تحوي حصاداً متنوعاً من تاريخ السلف وحياته الاجتماعية. والاقتصادية, والسياسية, وهي تنطلق عفواً بما قد تكون سكتتْ عنه المصادر المدونة. وإن دراستها دراسة تاريخية واجتماعية ولغوية قد تفيد كثيراً في تجلية صور السلف, وخاصة وأنها تتمتع بميزة تمنحها الكثير من الثراء والتفرد إذ ما قيست بالمأثورات الشعبية الأخرى, ذلك أنها صورة ناطقة بألفاظ السلف ولهجته المحكية كما أنها تحمل إلينا إيقاعه الحياتي.
وأخيراً, إن الزغرودة هي وثيقة حياة, وشعلة تنتقل من جيل إلى جيل, مكانها هو الفرح أنىّ وجد, وهي دائماً تتحرك, وتتحدث, وتغنى, وتعبر عن ذاتها بذاتها, ولا تحتاج إلى من ينصت إليها.
وقد حملت الزغرودة في رحلتها إلينا أسماء شتى من كل بلد تمر بهّ, أو منطقة تسكن فيها فهي مع بعض الخصوصية والتحفظ: الزغرودة, والزلغوطة, والمهاهات, والهنهونة, وتبقى الزغرودة هي سيدة الساحة دون منازع, فلا عرس دون عريس وعروس وزغرودة.
الزغرودة وأخواتها:
إن الزغرودة هي ابنة الذاكرة الشعبية في شقها الفرح, وهي تعود زمنياً إلى قرون سلفت, ومكانياً تنتمي إلى مساحة أكبر بكثير من مساحة بلاد الشام.
فهي منتشرة عند نساء الشرق الأدنى من مصر إلى استانبول وما بينهما, وفي شمال افريقية والعراق.
إذا حاولنا البحث في المعاجم عن أصل هذه المسميات التي أطلقت على الزغرودة في رحلتها في مكان وزمان منطقة بلاد الشام, ولنقف على أصولها اللغوية الفصيحة فإننا نجد ما يأتي:
- الزغرودة: وأصل المادة (الزغد), وهي في أصل معناها العصر, وزغد البعير يزغد زغداً : هدر هدراً, وكأنه يعصره أو يقلعه.. ويقال زغد البعير وزغرد وزغدب بمعنى واحد, وهو الهدير يتقلّع من صدره أو حلقه. وكذلك فإن زغردة النساء هي أصوات تقعرها وتعصرها في حناجرها مضغوطة عليها, والظاهر أن العامة قالت في زغرد وزرغد ثم جعلت اللام مكان الرا والطاء مكان الدال.
- الزلغوطة:هي اللهجة المحكية العامية من الكلمة الفصحى الزغرودة, محرفة عنها, وهي ترديد لأصوات الفرح في الحلق واللسان. ومن صورها المحلية الأخرى: ظلغط, وزغلط, وزغرت, وزغرط.
- الهنهونة/الهلهولة: التي يرى صاحب معجم الألفاظ العامية أنها من فعل هنهن العامي وفصيحه هلهل. ونقول في دارجتنا: هلهل فلان فلاناً: لامه في عنف أو زجره في شدة. وهلهل ملابسه: قطعها في غير انتظام فجعل منظرها سخيفاً. والملابس المهلهلة: سخيفة النسيج. وهلهل الصوت: رجّعه.
- والظاهر أن العامة قلبت اللام نونا فأصبحت هنهن بدل هلهل. ومنها اشتقت كلمة هنهونة التي جمعها هناهن. بينما يرى القس شلحت أن الهنهونة لفظة سريانية أصلها "هو نايا" ومعناها "تهنئة" وقد صغرت فأصبحت "هونايونا" أي " تهنئة صغيرة" ويقدم عليها لفظة "إيها" وهي اللفظة نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة, وهي أيضاً مشتقة من السريانية "أها" ومعناها "نعمَّ". ويرى أنه في لبنان يقولون "أيوها" وهي لفظة مركبة من لفظتين سريانيتين أولاها "أيو" ومعناها حبذا "وإها "ومعناها "نعمَّ".
- المهاهات:هي أغنية خفيفة شفاهية تقال في الفرح وغيره رباعية الأشطر, وتبدأ بالأويها وتنتهي بالزغرودة. ولم نوفق في العثور على أصل الكلمة وجذورها اللغوية.
وفي محاولتنا البحث عن معاني ما تبدأ به الزغرودة وما تنتهي به من مقاطع صوتية وجدنا ما يأتي:
- الآويها: مقطع صوتي وردت بعدة أشكال لفظية وكتابية منها:"إيها, وأوها, آوها, أيه ويه, أي, وأويها, وغيرها كثير... ولعل هذا يرجع في بعضه إلى جهل تام بمصدر أو منبع هذه الكلمة معجمياً.
ويرى البعض أنها محرفة عن كلمة (هاهو) ويرجع في تحليلها أنها تعود إلى لقيا آدم عليه السلام بحواء, حيث بادرت عند رؤيتها له بقولها (هاهو) بينما يقول البعض الآخر أن أصلها (قوّوها) أي ارفعوا أصواتكم أكثر.
- وأما في لسان العرب, فيشرح ابن منظور أن (أوَّه, وآّه,وأوْه) كلمة معناها الحزن لفقد الشيء. وأنّ (إيّه): تعني صوّت وأيها بمعنى هيهات, وأنك إذا أردت إغراءه قلت (وَيْها).
ويرى القس شلحت كما بيّنا سابقاً أن لفظة "إيها", وهي مشتقة من السريانية "أها" ومعناها "نعمَّ". ويرى أن في لبنان يقولون "أيواها" وهي لفظة مركبة من لفظتين سريانيتين أولها "أيو" ومعناها "حبذا" و" أها" ومعناها" نعمَّ".
ولعل لفظة (أويها) دمج لكلمتين ومعنيين, يراد بالأول: الحزن لمغادرة العروس منزل أهلها وما سيخلّفه هذا من فقد واشتياق له. ويراد بالثاني: إسكات لهذا الحزن, ودعوة إلى الإغراء بالفرج, وهكذا تكون هذه الكلمة مزيجاً من (أوّه) و(ايّه) معاً.
وأما خاتمة الزغرودة (لي لي لي ليش), فقد وجدت في موسوعة حلب المقارنة شرحاً طريفاً أورده العلامة الأسدي يقول فيه:"سئلنا لم كان صوت الزلاغيط في حلب لي لي ليش؟ أجبت: عندما يدخل العريس ليلة عرسه على دار العرس يزغرد النساء وكأنهن يقلن هذا العريس الحلو لي لي أن وحدي. ثم لما كان هذا المطلب غير محقق يختمن اللالات بتصويت "ليش" أي إن لم يكن لي كل العمر فليكن لي شيء ولو يسير منه".
وأرى أن هذا الشرح منحاز إلى فريق الرجال بقوة, بينما أن المقصود بهاوليش لأ؟). ولم يكون كذلك؟ وأنا أعادله إن أكن متفوقة عليه.
معنى الزغرودة اصطلاحا
هي ترديد جماعي بأصوات نسائية مسبوقة بعبارة (آويها) وملحوقة بعبارة (لي لي لي لي ليش), بأصوات عالية ونغمة واحدة. وليس إطلاق الزغاريد حكراً على امرأة بعينها, بل إن إسهام النساء في إلقاء الزغاريد كان يتوقف على حفظ امرأة لها ورغبتها في إلقائها.
هي لون يغنّي في كل أوقات الفرح, وهو يرافقه في الخطوبة والزفاف, وتدور الزغاريد عادة حول العريس والعروس وعائلتيهما. وهي تكاد تكون موحّدة اللحن حتى لا يفرق بينهما أي إنسان, والفارق هو المعنى, وتؤديها النساء لما فيها من تذوق وإحساس بالفرح ولا سيما القريبات من العريس والعروس كالأم, والأخت, والخالة, والعمة...
إنها لون غنائي شعبي خفيف يحفظ عن طريق المشافهة, وذلك من امرأة لامرأة. وتقوم هذه المرأة المغنية بالتلميح والتصريح في زغاريدها بما تنطوي عليه نفوس الأسرة والعائلة أو العشيرة.
وتكون بعض هذه الأقوال محفوظة في الذاكرة, وبعضها الآخرة يخرج على السجية من المؤدية, وهي جميعاً تدور حول معاني الفرح والفخر والمديح.
وتبقى معاني الزغاريد تقليدية تتضمن حشواً من العادات والأفكار العربية القديمة, فالبنت لها أوصاف معينة حتى تكون صالحة للزواج كالطول, والجمال والتهذيب, والسعة الحسنة. كما أن للشاب العريس صفات لا بد أن تتوفر في كالشجاعة والكريم والأصالة إضافة إلى بعض الدعوات لهما بالخير والبركة والسعادة والإنجاب.
ومهما تبدلت الكلمات التي تعبر فيها هذه المنطقة أو تلك إلا أن المعاني والروح التي وراءها تبقى واحدة, فهي صدى قادم من حياة أجدادنا إلينا على متن مركبة من الصدق والعفوية.
البنية الفنية للزغرودة
إن الزغرودة هي جزء منفرد وأنموذج خاص من الأغنية الشعبية. "وهي كناية عن بيتين من الشعر الشعبي في كل بيت صدر وعجز. ويبدأ فيها كل صدر وعجز بلفظة "آويها". ولهذه الكلمة وظيفة أساسية في وقع الزلغوطة الموسيقي, فهي إضافة إلى ما تشيعه من إيقاع نغمي جميل, تخلص ما يليها من الابتداء بالحرف الساكن, حيث تنضم الـ (ها) فيها إلى الحرف الساكن الذي يليها مباشرة, فتكون معه سببا خفيفا".
وهي لا تنشد على بحر معين, (وإن كان لبحري الرجز والبسيط حضورهما المميز في موسيقاها) فقد يتألف البيت فيها من ستة عشر مقطعاً, أو من ثمانية عشر مقطعاً... الخ. دون توافق في عدد المقاطع الصوتية بين الصدر والعجز.
وأما القافية, فقد تتكرر في صدري الزلغوطة وعجزها, وقد تأتي نادراً متحدة في العجزين فقط. وأحياناً لا يلائم مؤلف الزلغوطة بين حروف القافية, وهذه من عيوبها فلا تأتي متحدة, بل متلائمة في المخرج الصوتي, فتكون من مخرج صوتي واحد, كملاءمة اللام والراء, واللام والنون, والنون والميم..... فيكون الرسم البياني لأنواع قوافي الزلاغيط متدرجة من الأكثر إلى الأقل شيوعاً: وتنتهي الزغرودة بأصوات: لي لي لي ليش.. الناتجة عن ضرب اللسان بالحلق بفعل الهواء القوي الخارج من الرئتين والصادر من قبل عدة نساء إضافة إلى المنشد. ومنشدة هذه الزغاريد تكون غالباً المرأة المتزوجة, فالرجل لا يزغرد, وإنما ينحاز عنها إلى العتابا, والميجانا والقرادي, والمعنّى, وغيرها من الفنون الشعرية الشعبية. وكذلك تتحاشى الزغرودة من لم تتزوج بعد, وذلك من باب والخفر والحرج.
مضمون الزغرودة
لكل عروس قصة, قد تتشابه وقد تختلف, لكن تبقى فيها جميعاً حواء العروس وآدم العريس, ومهما كانت صفات العروس الحقيقية سواء الخلقية أو الخلقية, ومهما كان منبتها متواضعاً وحظها من الجمال ضئيلاً, فإن الزغاريد التي سترشق بها في مراحل زفافها ستجعل منها ملكة ترفل حقيقة أو تزلفاً بكل ما يمكن لأي أنثى أن تحلم وتتمنى أن تكون عليه من جمال وكمال وحسب..
والأمر نفسه ينطبق على آدم ستصوره الزغاريد فهذه المناسبة الأقوى ساعداً, والكرم منبتاً, والأجواء عطاءً, فضلاً عن بهاء طلعته وحسن أخلاقه, وحكمته, وحسن اختياره لعروسه....
وإن أغلب الزغاريد التي تنشد في حفلات الزفاف تكون موجهة إلى العروس بهدف وصفها من الناحيتين: المادية والمعنوية. فمن الوصف المادي تصف الزغرودة العروس عضواً فعضوا: (قامتها, خصرها, شعرها, عينيها, انفها, جيدها, صدرها, بشرتها) أما نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة, الناحية المعنوية فتصف الزغرودة نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة, أخلاق العروس المحمودة, وتربيتها السامية, ورفعة نفسها التي تستعمل في كل مناطق بلاد الشام بلهجات مختلفة. لكن الوصف في الزغاريد بسيطاً عفوياً مكرر المعاني, لا إبداع فيه, وكله حشد لأوصاف معروفة توافق المثال الأعلى للجمال, والعرائس فيها إناث يتشابهن في كل شيء ولا يختلفن إلا بالاسم فقط, تماماً كحبيبات شعراء العصر الجاهلي.
وكذلك تتجه الزغرودة إلى العريس لتصفه كالعروس بصفات المدح خلقاً وخُلقاً, فإذا هو وسيم, س..., شجاع, لبق, رشيق واثق من نفسه, كريم, رفيع الأصل,, كل ذلك مع عدم التفريق بين عرس اليوم وعرس الأمس والغد".
وهذه المضامين عامة إلى درجة تجعلها تليق بكل عروس وعريس بمجرد استبدال الأسماء, كما تجعلها تليق إلى حدّ بعيد بكل مراحل الزفة لأن الصفات المدحية هي الغالية دوماً.
ما يقال للعريس الحلبي
أيها عريسنا نحن اليوم زوارك
أيها افرشلنا بيتك واخليلنا دارك
أيها لاصير دالية واتعرش بحيطانك
واحمل عناقيد لولو كله كرمالك!
***
أيها عريسنا لا تندم على مالك
أيها بروح المال وست الحسن بتبقالك
أيها بطلب من رب السما يحبيبها لدارك
ومثل الغزالة تتنقل دوارك!
***
أيها من قال عن عريسنا ما هو اسمراني
أيها بعيون سود وخلقه الرحماني
بيوس الصليب وبكلله المطران!
***
أيها عريسنا يا ابيضاني
أيها يا شمس منورة في البستان
أيها ولم اللي خفنا عليك من الحساد
كسرنا قدامك جناق الصيني!
***
أيها يا عيسنا يا ابيضاني
أيها يا قضيب الخيزران
أيها بخاف عليك من النظر
وبخبيك بروس أكمامي!
***
أيها من قال عريسنا ما هو قمر
أيها مسك اللي عجنته فار واختمر
أيها قوموا اشهدوا له يا رفقاته
يمه دواية ولسانه قام (أو تمه خاتم)
***
أيها عريسنا يا قضيب المستكى
أيها عريسنا شلون ما مال الهوى انتكى
أيها عريسنا خفيف على ضهور الخيل
لكنه تقبل على رقاب العدى
أيها عريسنا نحن اليوم زوارك
أيها افرشلنا بيتك واخليلنا دارك
أيها لاصير دالية واتعرش بحيطانك
واحمل عناقيد لولو كله كرمالك!
***
أيها عريسنا لا تندم على مالك
أيها بروح المال وست الحسن بتبقالك
أيها بطلب من رب السما يحبيبها لدارك
ومثل الغزالة تتنقل دوارك!
***
أيها من قال عن عريسنا ما هو اسمراني
أيها بعيون سود وخلقه الرحماني
بيوس الصليب وبكلله المطران!
***
أيها عريسنا يا ابيضاني
أيها يا شمس منورة في البستان
أيها ولم اللي خفنا عليك من الحساد
كسرنا قدامك جناق الصيني!
***
أيها يا عيسنا يا ابيضاني
أيها يا قضيب الخيزران
أيها بخاف عليك من النظر
وبخبيك بروس أكمامي!
***
أيها من قال عريسنا ما هو قمر
أيها مسك اللي عجنته فار واختمر
أيها قوموا اشهدوا له يا رفقاته
يمه دواية ولسانه قام (أو تمه خاتم)
***
أيها عريسنا يا قضيب المستكى
أيها عريسنا شلون ما مال الهوى انتكى
أيها عريسنا خفيف على ضهور الخيل
لكنه تقبل على رقاب العدى
الثلاثاء أكتوبر 01, 2013 7:11 am من طرف amal
» جبلنا انت قدّه
الأربعاء أغسطس 14, 2013 9:09 pm من طرف omar
» النبي شعيب ع
الخميس أبريل 11, 2013 2:32 pm من طرف فايز عزام
» اطعام الفم ام اكرام العلم
الخميس مارس 07, 2013 3:29 pm من طرف فايز عزام
» كلام خير وعلم
الخميس فبراير 07, 2013 2:50 pm من طرف فايز عزام
» حديث ليلة الجمعة
الخميس يناير 03, 2013 2:50 pm من طرف فايز عزام
» عاقل وجاهل
الإثنين نوفمبر 26, 2012 2:08 pm من طرف فايز عزام
» جيل جديد ! فكر جديد؟ ....فايز عزام
الأربعاء سبتمبر 26, 2012 6:21 am من طرف amal
» منقول ..... وموضوع رائع !!!! ألف شكر للأخت إلي نقلتوا !!!
الأربعاء مارس 14, 2012 1:13 pm من طرف الشوق